نبذة:
عبدصالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف، كفل مريم العذراء، دعا الله أن يرزقهذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار.
المسيرة
سيرته:
امرأة عمران:
فيذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسمالنبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاةبالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.
وكان لعمران زوجته لا تلد..وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحهخوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد..ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..
واستجابت لها رحمةالله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما فيبطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجدطوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.
ولادة مريم:
وجاءيوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون فيخدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها للهبرغم أن الذكر ليس كالأنثى.
سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجةعمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولانفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنهاقد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوعالمولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظهذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.
ويروي الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَاأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْمَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُإِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِالشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُوهُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَوَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
كفالة زكريا لمريم:
أثارميلاد مريم بنت عمران مشكلة صغيرة في بداية الأمر.. كان عمران قد مات قبلولادة مريم.. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن يربوا مريم.. كل واحديتسابق لنيل هذا الشرف.. أن يربي ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهموإمامهم فيها.
قال زكريا: أكفلها أنا.. هي قريبتي.. زوجتي هي خالتها.. وأنا نبي هذه الأمة وأولاكم بها.
وقال العلماء والشيوخ: ولماذا لا يكفلها أحدنا..؟ لا نستطيع أن نتركك تحصل على هذا الفضل بغير اشتراكنا فيه.
ثماتفقوا على إجراء قرعة. أي واحد يكسب القرعة هو الذي يكفل مريم، ويربيها،ويكون له شرف خدمتها، حتى تكبر هي وهي تخدم المسجد وتتفرغ لعبادة الله،وأجريت القرعة.. وضعت مريم وهي مولودة على الأرض، ووضعت إلى جوارها أقلامالذين يرغبون في كفالتها، وأحضروا طفلا صغيرا، فأخرج قلم زكريا..
قال زكريا: حكم الله لي بأن أكفلها.
قال العلماء والشيوخ: لا.. القرعة ثلاث مرات.
وراحوايفكرون في القرعة الثانية.. حفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقيبأقلامنا في النهر.. من سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب.
وألقواأقلامهم في النهر، فسارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا.. ساروحده ضد التيار.. وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكونالقرعة ثلاث مرات. قالوا: نلقي أقلامنا في النهر.. القلم الذي يسير معالتيار وحده يأخذ مريم. وألقوا أقلامهم فسارت جميعا ضد التيار ما عدا قلمزكريا. وسلموا لزكريا، وأعطوه مريم ليكفلها.. وبدأ زكريا يخدم مريم،ويربيها ويكرمها حتى كبرت..
كان لها مكان خاص تعيش فيه في المسجد..كان لها محراب تتعبد فيه.. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا.. يذهب وقتهاكله في الصلاة والعبادة.. والذكر والشكر والحب لله..
وكان زكريا يزورها أحيانا في المحراب..وكان يفاجأه كلما دخل عليها أنه أمام شيء مدهش.. يكون الوقت صيفا فيجدعندها فاكهة الشتاء.. ويكون الوقت شتاء فيجد عندها فاكهة الصيف.
ويسألها زكريا من أين جاءها هذا الرزق..؟
فتجيب مريم: إنه من عند الله..
وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة.
دعاء زكريا ربه:
كانزكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيشطويلا.. وكانت زوجته وهي خالة مريم عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتهالأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبياويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته.. وكان زكريا لا يقولأفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال..ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذاأوانها.
سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!
مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).
قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.
سألزكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضلوالعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحمالله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتىنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا).
فوجئزكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحسزكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّىيَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَالْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..
(قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا)أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ..وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجودفيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقهالله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
امتلأقلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة.فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسهغير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقنأن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلىالناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..
وخرجزكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أنلسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحواالله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا علىاستجابته لدعوته ومنحه يحيي..
ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته.
ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.