الخصائص الرسالية هي الأمور التي اختص الله بها رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم في رسالته، وأفرده بها عن غيره من الأنبياء .
ويأتيعلى رأس هذه الخصائص القرآن الكريم؛ فقد كانت معجزة القرآن الكريم على رأسالخصائص الرسالية التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{
وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا نهدي به من نشاء من عبادنا } (الشورى:52)، وقال صلى الله عليه وسلم: (
ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كانالذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يومالقيامة ) رواه
البخاري و
مسلم .
وإذاكان القرآن الكريم في مقدمة الخصائص الرسالية التي أكرم الله بها رسولالله صلى الله عليه وسلم، فإن حفظ الله سبحانه لهذا الكتاب من التبديلوالتحريف خصوصية أخرى لهذا النبي الكريم، فقد أخبر سبحانه بأنه تولى وتعهدبنفسه حفظ القرآن، قال تعالى: {
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } (الحجر:9). في حين أن الكتب السماوية الأخرى، لم يتعهد سبحانه بنفسه أمر حفظها، بل ترك ذلك إلى أهلها، قال تعالى: {
إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله }(المائدة:44) ولما ترك سبحانه أمر حفظ التوراة والإنجيل للأحبار مناليهود، والربانيين من النصارى، صار حالها إلى ما صارت إليه، من التغييروالتبديل والتحريف .
ويتبعخصوصية القرآن الكريم، اشتمال هذا الكتاب على ما اشتملت عليه الكتبالسابقة، وتفضيله عليها بالمفصل من السور والآيات؛ فقد اشتمل القرآنالكريم على السور الطوال، والسور المتوسطة، والسور القصار؛ قال صلى اللهعليه وسلم: (
أُعطيت مكان التوراة السبع، وأُعطيت مكان الزبور المئين، وأُعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلت بالمفصَّل ) رواه
أحمد ؛ فكان علم الكتب السماوية السابقة علمًا خاصًا مجملاً، وكان علم القرآن علمًا عامًا مفصلاً .
ويلحق بخصوصية القرآن الكريم، إعطاؤه صلى الله عليه وسلم خواتيم سورة البقرة، ولم تعط لنبي قبله؛ قال عليه الصلاة والسلام: (
إني أوتيتهما من كنـز من بيت تحت العرش، ولم يؤتهما نبي قبلي ) رواه
أحمد ، يعني الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة .
ومن خصائصه الرسالية عليه الصلاة والسلام ذكره في الكتب السابقة، والتبشير بقدومه، قال تعالى مخبرًا عن ذلك: {
الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل } (الأعراف:157)، وقال تعالى: {
وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } (الصف:6) .
وأخرج
البخاري عن
عطاء بن يسار ، قال: لقيت
عبد الله بن عمرو بن العاص رضيالله عنهما، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة،قال: نعم، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: {
يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا } (الفتح:
.
ومن خصائص رسالته صلى الله عليه وسلم أنها رسالة عامة للناس، قال تعالى: {
وما أرسلناك إلا كافة للناس } (سبأ:28)، وقال أيضًا: {
وأرسلناك للناس رسولا } (النساء:79). في حين كانت رسالات الأنبياء السابقين خاصة بأقوامهم، كما أخبر عن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (
وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة ) رواه
البخاري و
مسلم .
وقدأخبر صلى الله عليه وسلم أنه اختص بكثرة الأتباع، وكثرة المؤمنين برسالته؛في حين أن الأنبياء السابقين لم يؤمن بهم إلا القليل من الأتباع، ولميصدقهم إلا القليل من الأنصار، بل إن بعض الأنبياء لم يؤمن به إلا الرجلوالرجلان فقط؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (
لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيًا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد ) رواه
مسلم .
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أن الله بعثه رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين؛ قال سبحانه: {
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } (الأنبياء:107)، وقد ثبت أن بعض الصحابة رضي الله عنهم، طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين، فأجابهم قائلاً: (
إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة )رواه مسلم، وأخبر أيضًا أنه جاء رحمة وهداية للناس أجمعين، لا كما يصفهبعض الظالمين بالقسوة والإرهاب؛ وكان شعاره الذي رفعه عبر سنوات جهاده: (
إنما أنا رحمة مهداة ) رواه
الدارمي وغيره .
وأخيرًا،فإن من خصائص رسالته صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين، وآخر المرسلين،فلا نبي بعده، فبه ختم الله الرسالات السماوية، وبشرعه أتم الله دينه؛ قالتعالى: {
ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } (الأحزاب:40)، وجاء في الحديث: (
وخُتم بي النبيون ) رواه
مسلم .
وقدشبه عليه الصلاة والسلام رسالته بين رسالات الأنبياء، برجل بنى بيتًا علىأحسن ما يكون البناء، لكنه ترك منه موضعًا لم يكمله، فاعتبر رسالته صلىالله عليه وسلم خاتم الرسالات التي سيتم بها إتمام بناء الرسالات السماويةعلى الوجه الأكمل والأفضل؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (
إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلاموضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبون له، ويقولون: هلاوُضعت هذه اللبنة! قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين ) رواه
البخاري و
مسلم .
هذهجملة من الخصائص الرسالية التي اختص الله بها رسول الإسلام عليه الصلاةوالسلام، وهي ولا شك تبين مكانة هذا الرسول الكريم بين الرسل، وتبين كذلكمنـزلة شريعة الإسلام بين الشرائع السماوية، وهي في الوقت نفسه تلقيمزيدًا من الضوء على قوله تعالى: {
اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة:3) .