عنأبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قالالله عز وجل : ( إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لميعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئةفأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها ، وقالرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الملائكة : رب ذاك عبدك يريد أنيعمل سيئة وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ،وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جرَّاي ) .
تخريج الحديث
روي الحديث في الصحيحين بألفاظ مختلفة وهذه رواية مسلم .
غريب الحديث
تحدث : أراد ، وحدث نفسه
من جرَّاي : من أجلي
منزلة الحديث
هذا الحديث يبين عظيم فضل الله ورحمته بعباده ، ويبعث الأمل في نفس المؤمن ، ويدفعها للعمل
الصالح وكسب الأجر والثواب ، فما أعظمه من حديث لترغيب القانطين من رحمة الله
كتابة الحسنات والسيئات
تضمن الحديث بألفاظه المختلفة طريقة كتابة الحسنات والسيئات وأن ذلك على أربعة أنواع هي :
1- الهم بالحسنة
فإذاهم العبد بعمل الحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة من دون مضاعفةلها ، وقوله : (إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة ) المراد به الهمُّ والعزمالمصمم الذي يوجد معه الحرص على العمل ، وليس مجرد الخاطر العابر ، وممايدل على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في المسند بإسناد صحيح : (فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة ) ، وهذه هي نيةالخير التي ينبغي على العبد أن يستصحبها في كل عمل ، ليكتب له أجر العملوثوابه ولو لم يعمله ، وفي الحديث الصحيح : ( إن بالمدينة أقواما ما سرتممسيرا ولا قطعتم واديا إلا شركوكم في الأجر حبسهم العذر ) رواه مسلم ، قالزيد بن أسلم : " كان رجل يطوف على العلماء يقول من يدلني على عمل لا أزالمعه لله عاملا ، فإني لا أحب أن يأتي على ساعة من الليل والنهار إلا وأناعامل لله تعالى ، فقيل له : قد وجدتَ حاجتك ، فاعمل الخير ما استطعت ،فإذا فترت أو تركت ، فَهِمَّ بعمله فإن الهامَّ بفعل الخير كفاعله " .
2- عمل الحسنة
النوعالثاني هو عمل الحسنات فإذا عمل العبد الحسنة ضاعفها الله له إلى عشرأمثالها ، وهذه المضاعفة ملازمة لكل حسنة يعملها العبد ، وأما زيادةالمضاعفة على العشر فهي لمن شاء الله أن يضاعف له ، فقد تضاعف إلى سبعمائةضعف إلى أضعاف كثيرة ، كما ثبت ذلك في نصوص عديدة منها قوله تعالى فيالنفقة : {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبعسنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم}(البقرة 261) ، فدلت هذه الآية على أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلىسبعمائة ضعف ، وفي السنن عن خريم بن فاتك قال : قال رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - : ( من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له بسبعمائة ضعف ) ، وقدتضاعف إلى أكثر من ذلك كما في حديث دعاء السوق الذي رواه الترمذي عن عمررضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من دخل السوقفقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميتوهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، كتب الله له ألف ألفحسنة ، ومحا عنه ألف ألف سيئة ، ورفع له ألف ألف درجة ) .
وهناكأعمال لا يعلم مضاعفة أجرها إلا الله سبحانه كالصوم ففي الحديث القدسي : (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ) أخرجاه في الصحيحين، لأنه أفضل أنواع الصبر ، وإنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب .
ومضاعفةالحسنات زيادة على العشر تكون بأمور منها : حسن إسلام المرء كما جاء ذلكمصرحاً به في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه فكلحسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتببمثلها حتى يلقي الله ) رواه مسلم ، ومنها كمال الإخلاص ، وفضل العمل ،وزمن إيقاعه ، وشدة الحاجة إليه .
3- الهم بالسيئة
النوعالثالث : الهم بالسيئات من غير عمل لها ، فإذا هم العبد بفعل سيئة ثمتركها من أجل الله فإنها تكتب له حسنة كاملة ، بشرط أن يقدر عليها ثميتركها خوفاً من الله كما في الحديث السابق ( إنما تركها من جراي ) يعنيمن أجلي .
وأما إن هم بالسيئة ثم تركها مراءاة للمخلوقين أو خوفاًمنهم ، أو عجزاً عنها ، فإنه لا يستحق أن تكتب له حسنة كاملة ، بل تكتبعليه سيئة النية كما في حديث : ( إنما الدنيا لأربعة نفر ) وذكر منهمرجلاً لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لي مالاً لعملت فيهبعمل فلان من أهل المعصية والفسق فقال عليه الصلاة والسلام : ( فهو بنيتهفوزرهما سواء ) رواه الترمذي .
وأما إن سعى إلى المعصية ما أمكن ثمحال بينه وبينها القدر فقد ذكر جماعة من أهل العلم أنه يعاقب عليها حينئذعقاب من فعلها ، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين : (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قلت يا رسولالله هذا القاتل فما بال المقتول ؟! قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) .
وأماإذا لم تصل المعصية إلى مرتبة الهم والعزم كأن تكون مجرد خاطر يمر علىالقلب ولا يساكنه ، بل ربما كرهه صاحبه ونفر منه ، فإنه معفو عنه ولايحاسب المرء عليه ، بدليل قوله سبحانه : {لله ما في السماوات وما في الأرضوإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب منيشاء } ( البقرة 284) فإن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة ، فظنوادخول الخواطر فيها فنزلت الآية بعدها وفيها قوله سبحانه : {ربنا ولاتحملنا ما لا طاقة لنا به }(البقرة286) قال سبحانه كما في الصحيح ( قدفعلت ) ، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي - صلىالله عليه وسلم - قال : ( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لمتعمل أو تتكلم ) .
4- عمل السيئة
النوع الرابع عمل السيئات، فإذا عمل العبد سيئة فإنها تكتب عليه من غير مضاعفة ، كما قال سبحانه :{ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون }(الأنعام 160) .
لكنعقوبة السيئة قد تعظم لأسباب عدة منها : شرف الزمان ، فالسيئة أعظمتحريماً عند الله في الأشهر الحرم ، قال سبحانه :{إن عدة الشهور عند اللهاثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلكالدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم }( التوبة 36) ، فقد نهى سبحانه عنظلم النفس في جميع أشهر السنة ، واختص منها الأشهر الحرم ، فجعل الذنبفيها أعظم .
ومنها شرف المكان كالبلد الحرام قال سبحانه : {ومن يردفيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم }(الحج 25) يقول عمر رضي الله عنه : "لأن أخطئ سبعين خطيئة يعني بغير مكة ، أحب إلى من أن أخطئ خطيئة واحدةبمكة " .
وقد تضاعف السيئات لشرف فاعلها ومكانته عند الله ، قالتعالى : {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفينوكان ذلك على الله يسيرا }(الأحزاب 30) .
لا يهلك على الله إلا هالك
وبعدهذا الفضل العظيم ، والرحمة الواسعة منه جل وعلا ، لا يهلك على الله إلامن استحق الهلاك ، وأغلقت دونه أبواب الهدى والتوفيق ، مع سعة رحمة اللهتعالى وعظيم كرمه ، حيث جعل السيئة حسنة إذا لم يعملها العبد ، وإذا عملهاكتبها واحدة أو يغفرها ، وكتب الحسنة للعبد وإن لم يعملها ما دام أنهنواها ، فإن عملها كتبها عشر حسنات ، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ،فمن حُرِم هذه السعة ، وفاته هذا الفضل ، وكثرت سيئاته حتى غلبت مع أنهاأفراد ، وقلت حسناته مع أنها مضاعفة فهو الهالك المحروم ، ولهذا قال ابنمسعود رضي الله عنه : " ويل لمن غلبت وِحْداتُه عشراتَه " .