سورة الضُّحَىإنعام الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بَين يَدَيْ السُّورَة* سورة
الضُّحَىمكية، وهي تتناول شخصية النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، وما حباه اللهبه من الفضل والإِنعام في الدنيا والآخرة، ليشكر الله على تلك النعمالجليلة.
* ابتدأت السورة الكريمة بالقسم على جلالة قدرالرسول صلى الله عليه وسلم وأن ربه لم يهجره ولم يبغضه كما زعم المشركون،بل هو عند الله رفيع القدر، عظيم الشأن والمكانة
{وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى* وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَمِنَالأُولَى*}.
* ثم بشرته بالعطاء الجزيل في الآخرة، وما أعدَّه الله تعالى لرسوله من أنواع الكرامات، ومنها الشفاعة العظمى
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
* ثم ذكَّرته بما كان عليه في الصغر، من اليتم، والفقر، والفاقة، والضياع، فآواه ربه وأغناه، وأحاطه بكلأه وعنايته
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى* وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}.
*وختمت السورة بتوصيته صلى الله عليه وسلم بوصايا ثلاث، مقابل تلك النعمالثلاث، ليعطف على اليتيم، ويرحم المحتاج، ويمسح دمعة البائس المسكين
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} وهو ختمٌ يتناسق فيه جمال اللفظ مع روعة البيان.
إنعام الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم{
وَالضُّحَى(1)وَاللَّيْلِإِذَا سَجَى(2)مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى(3)وَللآخِرَةُ خَيْرٌلَكَ مِنَ الأُولَى(4)وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى(5)أَلَمْيَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى(6)وَوَجَدَكَ ضَالافَهَدَى(7)وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاتَقْهَرْ(9)وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ(10)وَأَمَّا بِنِعْمَةِرَبِّكَ فَحَدِّثْ(11) }.سبب النزول:نزول الآية (1) : وما بعدها: أخرجالشيخان وغيرهما عن جندب قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقمليلة أو ليلتين، فأتته امرأة، فقالت: يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك،فأنزل الله:
{وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى*}.
نزول الآية (4):{لَلآخِرَةُ خَيْرٌ..}: أخرج الطبراني في الأوسط
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرّني" فأنزل الله: {
لَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَمِنَالأُولَى} وإسناده حسن.
نزول الآية (5):أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل والطبراني وغيرهم عن
ابن عباس قال: عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كَفْراً كَفْراً - أي قرية قرية - فسُرّ به، فأنزل الله :
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
{وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} أقسم تعالى بوقت الضحى وهو صدر النهار حين ترتفع الشمسُ، وأقسم بالليل إِذا اشتد ظلامه، وغطَّى كل شيء في الوجود
قال ابن عباس:
{سَجَى} أقبل بظلامه
قال ابن كثير: هذا قسمٌ منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء، وبالليل إِذا سكن فأظلم وادلهمَّ، وذلك دليلٌ ظاهر على قدرته تعالى
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} أي ما تركك ربك يا محمد منذ اختارك، ولا أبغضك منذ أحبك، وهذا ردٌّ على المشركين حين قالوا: هجره ربه، وهو جواب القسم
{وَللآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَمِنَالأُولَى}أي وللدارُ الأخرة خيرٌ لك يا محمد من هذه الحياة الدنيا، لأن الآخرةباقية، والدنيا فانية، ولهذا كان عليه السلام يقول : اللهم لا عيش إِلاعيشُ الآخرة
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} أي سوف يعطيك ربك في الآخرة من الثواب، والكرامة، والشفاعة، وغير ذلك إِلى أن ترضى
قال ابن عباس:هي الشفاعة في أُمته حتى يرضى، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرأمته فقال: اللهم أُمتي أُمتي وبكى، فقال الله يا جبريل اذهب إِلى محمدواسأله ما يبكيك ؟ - وهو أعلم – فأتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلموسأله فأخبره رسول الله بما قال ، قال الله: يا جبريل اذهب إِلى محمد وقلله: إِنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك، وفي الحديث (لكل نبي دعوةٌ مستجابة،فتعجَّل كل نبي دعوته، وإِني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمتي يوم القيامة)الحديث
قال الخازن: والأولى حملُ الآية على ظاهرها ليشملخيري الدنيا والآخرة معاً، فقد أعطاه الله تعالى في الدنيا النصر والظفرعلى الأعداء، وكثرة الأتباع والفتوح، وأعلى دينه، وجعل أمته خير الأمم،وأعطاه في الآخرة الشفاعة العامة، والمقام المحمود، وغير لك من خيريالدنيا والآخرة .. ثم لما وعده بهذا الوعد الجليل، ذكَّره بنعمه عليه فيحال صغره ليشكر ربه فقال
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} أي ألم تكنْ يا محمد يتيماً في صغرك، فآواك الله إِلى عمك أبي طالب وضمَّك إِليه ؟
قال ابن كثير:وذلك أن أباه توفي وهو حملٌ في بطن أمه، ثم توفيت أُمه وله من العمر ستسنين، ثم كان في كفالة جده "عبد المطلب" إِلى أن تُوفي وله من العمر ثمانسنين، فكفله عمه "أبو طالب" ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره حتىابتعثه الله على رأس الأربعين وأبو طالب على عبادة الأوثان مثل قومه ومعذلك كان يدفع الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ هذا من حفظالله له، وكلاءته وعنايته به
{وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى} أي ووجدك تائهاً عن معرفة الشريعة والدين فهداك إِليها كقوله تعالى
{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ} قال الإِمام الجلال: أي وجدك ضالاً عما أنت عليه الآن من الشريعة فهداك إليها، وقيل: ضلَّ في بعض شعاب مكة وهو صغير فردَّه الله إلى جده
قال أبو حيان: لا يمكن حمله على الضلال الذي يقابله الهدى، لأن الأنبياء معصومون من ذلك
قال ابن عباس: هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة، وقيل: ضلَّ وهو مع عمه في طريق الشام
{وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى}أي ووجدك فقيراً محتاجاً فأغناك عن الخلق، بما يسَّر لك من أسباب التجارة.. ولمَّا عدَّد عليه هذه النعم الثلاث، وصَّاه بثلاث وصايا مقابلها فقال
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أي فأما اليتيم فلا تحتقره ولا تغلبه على ماله
قال مجاهد: أي لا تحتقره
وقال سفيان: لا تظلمه بتضييع ماله، والمراد كن لليتيم كالأب الرحيم، فقد كنت يتيماً فآواك الله
{وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} أي وأمَّا السائل المستجدي الذي يسأل عن حاجة وفقر، فلا تزجره إِذا سألك ولا تُغلظ له القول بل أعطه أو ردَّه رداً جميلاً
قال قتادة: ردَّ المسكين برفقٍ ولين
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي حدِّثْ الناس بفضل الله وإِنعامه عليك، فإِن التحدث بالنعمة شكر لها
قال الألوسي:كنت يتيماً وضالاً وعائلاً، فآواك الله وهداك وأغناك، فلا تنس نعمة اللهعليك في هذه الثلاث، فتعطَّف على اليتيم، وترحَّم على السائل، فقد ذقتاليُتْمَ والفقر، وأرشد العباد إِلى طريق الرشاد، كما هداك ربك.