النور لخدمات الكمبيوتر والشبكات
أهلا ومرحبا بك زائرنا الكريم ندعوك للتسجيل فى المنتدى لكى تتمكن من رؤية الروابط فى منتدانا وشكراااااااااااا لك على زيارة منتدى النور
النور لخدمات الكمبيوتر والشبكات
أهلا ومرحبا بك زائرنا الكريم ندعوك للتسجيل فى المنتدى لكى تتمكن من رؤية الروابط فى منتدانا وشكراااااااااااا لك على زيارة منتدى النور
النور لخدمات الكمبيوتر والشبكات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

النور لخدمات الكمبيوتر والشبكات

أهلا ومرحبا بكم
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير سورة الانشقاق للشيخ النابلسي الجزء 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
joker.eg
مدير المنتدى
joker.eg


عدد المساهمات : 750
تاريخ التسجيل : 24/11/2010
الموقع : https://alnur.yoo7.com

تفسير سورة الانشقاق للشيخ النابلسي الجزء 1 Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سورة الانشقاق للشيخ النابلسي الجزء 1   تفسير سورة الانشقاق للشيخ النابلسي الجزء 1 Emptyالسبت ديسمبر 11, 2010 10:36 am


تفسير رائع جدا لسورة الانشقاق في محاضرة للشيخ الجليل محمد راتب النابلسي

سورة الانشقاق




بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الانشقاق ، وسميت سورة الانشقاق لأنها بدأت بقوله تعالى:

اذا السماء انشقت( الانشقاق : الآية " 1 " )
فالله سبحانه وتعالى كما مرَّ بنا في السور المكيَّة يصوِّر لنا أهوال يومالقيامة ، وكيف يحدث في هذا اليوم من تبدُّلاتٍ جذريةٍ في الكون ، إلا أنهذه السورة فيها ظاهرةً جديدة .. لنستمع معًا قليلاً :
إِذَاالشَّمْسُ كُوِّرَتْ(1)وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ(2)وَإِذَاالْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ(4)وَإِذَاالْوُحُوشُ حُشِرَتْ(5)وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ(6)وَإِذَا النُّفُوسُزُوِّجَتْ(7)وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ(Coolبِأَيِّ ذَنْبٍقُتِلَتْ(9)وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(10)وَإِذَا السَّمَاءُكُشِطَتْ(11)وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ(12) وَإِذَا الْجَنَّةُأُزْلِفَتْ(13)
( التكوير : الآية "1 - 13" )

.. جواب الشرط .. عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ(14)( التكوير : آية "14" )إِذَاالسَّمَاءُ انْفَطَرَتْ(1)وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ(2)وَإِذَاالْبِحَارُ فُجِّرَتْ(3)وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ(4)عَلِمَتْ نَفْسٌمَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ(5)
( سورة الانفطار : الآية " 1 - 5 " )
أكثر سور هذا الجزء يأتي جواب الشرط متأخرًا ، لكن هذه السورة التي تبدأ بقوله تعالى :

( اذا السماء انشقت * واذنت لربها وحقت*واذا الارض مدت*والقت ما فيها وتخلت*واذنت لربها وحقتالانشقاق : الآية "1 - 5 " )فما بعد الشرط يأتي كلامٌ جديدٌ مستأنف ..

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه( الانشقاق : آية " 6 " )أينجواب الشرط ؟ الله سبحانه وتعالى في هذه السورة ترك لقارئ القرآن ، لهذاالمؤمن ، أن يتصوَّر جواب الشرط كما يريد ، أحياناً في فن القصة تنتهيالقصة عند العقده ، وقارئ القصة يتخيَّل نهايتها كما يشاء ، فربنا عزَّوجل يقول :

اذا السماء انشقت( الانشقاق : الآية "1 " )
أي تشققت ، وهذا من علامات يوم القيامة ، ثم قال تعالى :

واذنت لربها وحقت( الانشقاق : الآية "2 " )
معنى أذنت أي استمعت لربها ، بمعنى أنها خضعت له ، استمعت لربها واستجابتله ، فماذا يفيد هذا المعنى ؟ هناك من يستمع ولا يستجيب ، وهناك من يستمعويستجيب .
في الكون كله نوعان من المخلوقات تستمع ، قد تستجيب وقد لا تستجيب إنهما الإنس والجن لأنَّهما مخيَّران ،(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(72)( سورةالأحزاب : آية " 72 " )
إنّ الإنسان حمل الأمانة ، ومنمقتضيات الأمانة أن يكون مخيراً ، ومن مقتضيات الأمانة أن يرسل الله لهرسلاً ، أن يخلق له كوناً معجزاً ، أن يهبه عقلاً نيراً ، كونٌ معجز وحواسيلتقط بها معطيات هذا الكون ، فكرٌ يحاكم ويدرك ، فعليه أن يعرف الله منخلال الكون والحواس والعقل ، وإذا غفل عن الله عزَّ وجل أرسل الله لهالأنبياء ، وأنزل إليه الكتاب ، وبعث في كلِّ زمانٍ من يدعو إلى الله عزَّوجل في كلِّ عصرٍ واحدٌ يسمو به .
إذاً الحجة قائمه ، لكنّ السماواتوالأرض أذنت واستجابت ، والإنسان قد يأذن ، بمعنى قد يستمع ، وربما لايستجيب ، واليهود قالوا : قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ( سورة البقرة : آية " 93 " )
الإنسان قد يستمع إلى الحق ، وقد يستجيب ، وربما لا يستجيب ..اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(43)فَقُولَا لَهُ قَوْلًالَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)( سورة طه : آية " 43 ،44 " )
هو مخيَّر ، قد يستجيب وربما لا يستجيب ، وقد يهتدي وربما لا يهتدي .. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(3)( سورة الإنسان : آية " 3 " )
وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ( سورة البقرة : آية " 148 " )

أنت أيُّها الإنسان مخيَّر ومسيَّر ، مسيَّرٌ لما اخترت ، معنىً دقيق جداً، أي أنت حينما تقف على الإشارات الضوئية أنت مخيَّر ، قد تستجيب ، وتقفعند الإشارة الحمراء ، وربما لا تستجيب ، فإن لم تستجب وتابعت المسير ،والإشارة حمراء فقَدْت اختيارك ، وليس لك وقتها خيارٌ في قبول العقوبة أورفضها ، كنت قبل أن تخطو مخيَّرًا .. والإنسان مسيَّر ومخيَّر ، مسيَّرلما اختار ، مسيّرٌ لدفع ثمن اختياره ، والإنسان مخير لا سمح الله ولاقدَّر أن يأكل مالاً حراماً أو أن لا يأكل ، فإذا أكل مالاً حراماً فليسمخيّراً في أن يقبل المصيبة التي سيعاقبه الله بها أو لا يقبل .. فَقَدَاختياره الآن .. وبعد أن اختار السوء فقدْ فَقَدَ اختياره ، والطالبمخيَّر أن يكتب الوظيفة أو لا يكتب ، فله كل الاختيار أن يسهر مع أهله ،وأن يسمُر معهم ، وأن يبقى في الطريق ، وأن يلهو مع أصدقائه ، أو أن يدخلإلى غرفته فيعكف على كتابة الوظيفة ، لكن غداً حينما يصدر قرارٌ بفصله ستةأيام ، لأنه ترك الوظيفة فليس مخيراً في قبول هذا القرار أو رفضه .. لقدصدر القرارُ ، وهو ملزِمٌ .
فالإنسان مخيَّر ومسيَّر ، مخيَّر في أنيأكل مالاً حلالاً أو حراماً ، إذا أكل مالاً حراماً فَقَدَ اختياره ، وقديحترق محله التجاري ، وقد تصادر أمواله ، وقد يدفع مبلغاً فوق طاقته ،وهذا ثمن اختياره السيّئ ، فالإنسان مخيَّر .
أما إذا قال الإنسان :إنه مسيَّر تسييراً مطلقاً فهذا افتراءٌ على الله عزَّ وجل ، فسيدنا علىرضي الله عنه سأله رجل : أكان مسيرُنا إلى الشام بقضاءٍ من الله وقدر ؟فقال : ويحك .. لعلَّك ظننت قضاءً لازماً وقدراً حاسماً ، إنَّ الله أمرعباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلَّف يسيراً ، ولم يكلِّف عسيراً ،ولم يعصَ مغلوباً ، ولم يُطَع مكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء عبثاً ، ولمينزِّل القرآن لعباً .
فالاختيار تماماً كطريق عليه في المقدمة لافتةمكتوب عليها ممنوع المرور .. لكن السائق بإمكانه أن يسير ، ولكن لسيره ثمن، فإذا نهى الله عزَّ وجل عن شيء ، وإذا نفى شيئًا آخر ، وإذا نفى أي : أنهذا الشيء لا يمكن أن يحدث كأن الطريق موضوع فوقه قطع مكعبة من الإسمنتكبيرة جداً لا يمكن لسيارة أن تخترقها .. هذا هو النفي ، أما النهي أي أنكمخيَّر ، إما أن تسير فتدفع الثمن ، أو أن تستجيب فتنجو .. فالسماء والأرضوالكواكب والنجوم والصخور والهواء والمياه والبحار والجبال والتراب كلُّهذه المخلوقات مسيّرةً مائةً في المائة ، اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11)( سورة فصلت : الآية " 11 ) لا خيار لهما .. فربنا عزَّ وجل قال :

اذا السماء انشقت*واذنت لربها وحقت*( الانشقاق : الآية : " 1 ، 2 " )
معنى أذنت أي استمعت لأمره ، واستجابت له ، فانشقَّت ، وحُقَّ لها أن تفعلهذا ، لأنَّها ليست مختارة ، أما الإنسان فقد يستمع إلى الحق ، ولا يستجيبله ، ربما لا يستجيب ، وهذا هو الصدق ، فالنبي الكريم قال :خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍوَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَأَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ *
(رواه أبو داود)
لو كانت أمة سيدنا محمدتعدُّ اثني عشر ألفًا ، وهم صادقون كصدق أصحاب النبي عليه الصلاة والسلاملم يُغلبوا أبداً ، فكيف غُلِبوا وهم ألف مليون ؟ لأنهم ليسوا على الطريقالذي سار عليها أصحاب رسول الله .
الإنسان قد يستمع للحق وربما لا يستجيب ، لكنَّ الصادق هو الذي يستجيب ، من كان صادقاً في طلب الحق .
أحياناً تطرق باب إنسان مرة واحدة ، فإذا لم يفتح لك تعود أدراجك منصرفا ،وآخر يقرعه مرتين ، وإنسان ثالث يقف خلف الباب ربع ساعة ، وإنسان رابعيصلي ثم يعود ، وإنسان خامس يقرع الباب ثم يغيب ساعة ويعود ، أعرف شخص وقفعلى باب بيت ست ساعات في أيام الشتاء ، له مع صاحب البيت دين كبير وسيأتيمتأخراً عند العشاء .. انظر إلى إصراره في طلب الشخص ! لو أننا صدقنا فيطلب الله عزَّ وجل لكنا في حالٍ غير هذه الحال .
لقد وصف ربنا عزَّوجل نبياً عظيماً بأنَّه كان من الصادقين ، مع أنَّ الصدق الذي نعرفه نحنفي معجمنا ألاّ يكذب .. هذه صفةٌ يجب أن تتوافر في أقل مؤمن ، فأقل مؤمنعلى وجه الأرض لا يكذب فكيف يوصف بها نبيٌ عظيم ؟ إنا وجدناه صادقاً ....وكان من الصادقين ... أي كان طلبه في معرفة الله نابعا من تصميم عالٍ جداً، كما فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم قال :
والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه *.
لكن عامة الناس ..وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُخَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىوَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُالْمُبِينُ(11) ( سورة الحج : الآية " 11 " )
بعض الأشخاصلأدنى ضغط يترك الدرس ، لأدنى فكرة ليست ثابتة يقول لك : لا أريد الحضور ،إغراء بسيط كأن يخطب فتاة فلا يأتي الدروس في المسجد بعد ذلك ، فقد تلهىفهذا ليس صادقاً ، فيمكن أنْ يحضر الدروس وهو في بحبوحة ، وإذا لم تكنهناك بحبوحة بل كان لديه ضغط يقول لك : مشغول ، وليس عندي فراغ ، أريدالالتفات الآن لمستقبلي .

واذنت لربها وحقت( الانشقاق : الآية : " 2 " )
إنّ الله عزَّ وجل يُسمعنا الحق ، فإما أن نستجيب وإما ألاّ نستجيب ،لكنَّ السماوات والأرض والشمس والقمر والجبال والنجوم والبحار والصحارىوذرَّات الهواء وحبَّات المطر هذه ليس لها خيار إطلاقاً تستجيب لأمر الله.. إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت .. أذنت له أي استمعت له ونفَّذت مشيئته وليس لها إلا ذلك .
أما الإنسان الذي يستمع للحق وينفِّذ فله أجر كبير ، لأن في إمكانه ألاّينفِّذ ، فلما يحضر أحدكم مجلس علم فله أجر كبير ، وبإمكانه أن يمكث فيبيته ولا يأتي ، ولا أن يتجشَّم مشقَّة ركوب سيارتان - خطين - تحت المطرليحضر الدرس ، فبإمكانه ألاّ يأتي ، وإمكانه أن يأتي ، إذاً فهو مخيَّر،إذاً عمله له قيمة .. من أين تنبع قيمة الأعمال ؟ لأن الإنسان مخيَّر .
معك مائة ليرة ممكن أن تتناول بها الطعام في أحد المطاعم مع أصدقائك وممكنأن تدفعها صدقة ، هذه ممكنة وهذه ممكنة ، أما الجماد فليس له خيار .. إذاً

واذنت لربها وحقت( الانشقاق : الآية : " 2 " )
أي حُقَّ لها أن تفعل هذا لأن هذه وظيفتها ، ليس لها خيار ، اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11)( سورة فصلت : الآية " 11 ) لا يوجد مجال للاختيار .. يوم القيامة :

اذا السماء انشقت*واذنت لربها وحقت*واذا الارض مدت*والقت ما فيها وتخلت( الانشقاق : آية من " 1 - 4 " )
مدّت أي أصبحت منبسطة ، لا تلَّ ولا جبلَ ولا وادي ، وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ(10)( سورة المرسلات : آية " 10 " ) وهناك آية أخرى : وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ(3)
( سورة التكوير : آية " 3 " )
لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا(107)( سورة طه : آية " 107")
.. أي منبسطة ..

واذا الارض مدت *والقت ما فيها وتخلت*( الانشقاق : آية من " 3 - 4 " )
ألقتكلَّ الناس الذين كانوا في بطنها ، كانوا في بطنها فألقتهم على ظهرها ،وتخلت أي بالغت في إخراج ما في بطنها ، أجل بالغت فلم تبقِ أحداً .
أحياناً الإنسان يقول له : أعطني كل شيء معك ، فيقلب له جيبه لآخر مدى ، هذه مبالغة ،

والقت ما فيها وتخلت( الانشقاق : آية من " 4 " )
أي هؤلاء الذين دفنوا في بطنها سوف تلفظهم إلى ظهرها ، وإذا لفظتهم إلى ظهرها أصبحوا أمام الحساب :

واذنت لربها وحقت( سورة الانشقاق : آية " 5 ")
هكذا جاءها الأمر .. استمعت لأمر ربّها ، ونفَّذت أمره وحُقَّ لها ذلك ،هذه وظيفتها منذ الأزل .. يا أيها الإنسان .. أما جواب الشرط فهو في أهواليوم القيامة ، هول الموقف بين يدي الله عزَّ وجل ، هول الحساب ، هول النار، هول الصراط المستقيم ،
هول : وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ(10)( سورة التكوير : آية " 10 " ) هول : وَكُلَّإِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَالْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا(13)اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىبِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(14)( الإسراء : الآية " 13 - 14 ") هذه أهوال يوم القيامة ..

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه( الانشقاق : آية " 6 " )
معنىكادح .. من بذل جهداً شاقاً فبدا عليه .. أحياناً تجد يدًا خشنةً ، والنبيالكريم صلى الله عليه وسلم رأى أحد أصحابه ذا يدٍ خشنة ، من آثار العملالشاق ، فأمسك يد هذا الصحابي وقال: إنَّ هذه اليد يحبها الله عزَّ وجل *.
فمن له مصلحة صعبة يكسب منها رزقاً حلالاً يعين بها أهله فهذه اليد يحبُّها الله عزَّ وجل .
فمعنى كادح أي عمل عملاً تبدو عليه آثار التعب ، أحياناً تجده مخدوشاً أوفيه حروق ، أو يده خشنة .. قالت أعرابيةٌ لمست يد أبيها ، فرأتها خشنة :
هذه كفُّ أبي خشنَّها ضرب .. مسحاةٍ ونقلٌ بالزبــيل
قال: ويلكِ لا تستنكري هذه اليد .. يقول الأب : إن هذا العمل خير له من أنيجرَّ ذيله إلى وجه لئيم ، وخيرٌ له ألف مرة أن يقف على باب اللئيم .
قيل : ما الذل ؟ قال : أن يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده ... ألم يقلالإمام عليٌ كرَّم الله وجهه : والله والله ، مرّتين ، لحفر بئرين بإبرتين، وكنس أرض الحجاز في يومٍ عاصفٍ بريشتين ، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين ،وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين ، أهون عليَّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍلوفاء دين .
فالإنسان يكدح في الدنيا ، والأعمال أكثرها شاقّة ..سبحان الله ! الأعمال الحلال شاقّة ، وهذه حكمةٌ بالغة ، لو أن الكسبالحلال أيسر من الكسب الحرام لتحوَّل الناس إلى الحلال ، لا حباً في اللهعزَّ وجل ، ولكن ابتغاء السهولة ، لكنَّ حكمة الله اقتضت أن يكون الكسبالحلال متعباً ، والكسب الحرام سهلاً ، يمكن أنْ تعمل سنة بكاملها ، ولكخمسة شركاء وتربحون مائة ألف ، وبعد أن توزع الأرباح يكون نصيبك في الشهرالواحد ثمانمائة ليرة فقط .. هذا كسب حلال .
ويمكن أن توقِّع توقيعاً، وأنت طبيبٌ شرعيٌّ فتقول : إن هذه الوفاة طبيعية ، وتكون الوفاة غيرطبيعية ، وتأخذ على هذا التوقيع خمسمائة ألف ، لم يكتب إلا " الوفاةطبيعية" ووقّع ، ويكون الميت ترك تركة تبلغ خمسة ملايين ، وأعطوه نصفالمليون ورجوه طي هذا الموضوع ، فهذا الكسب سهل كثيراً .. أن يكتب كلمة :"تبيَّن بعد فحص الجثة أن الوفاة طبيعية " ، التوقيع .. فلان. واسمحوا لنابنصف المليون .. الكسب الحرام سهل كثيراً ، ولكن معه انهيار داخلي ، أماالكسب الحلال فمتعب ، و لكن له ثمراته .
فأحياناً تعمل المرأة فيالبيوت من أجل أن تطعم أولادها ، فوالله عملها هذا مقدَّس ، وهناك امرأةتعرض مفاتنها على الناس ، وتكسب رزقاً أكثر من هذه بمئات المرّات .. فهناكعمل من الخارج قذر متعب ، فأعمال فيها دخان وغبار ونحوهما ، و لكن دخلهاحلال ، وهناك أعمال من الخارج أنيقة جداً ، ولكنها قذرة من الداخل ،والعبرة أن تكون نفسك من الداخل نظيفة ، وليكُن عملك بعدئذٍ أيّ عمل ، لوبأيام الشتاء القارسة لك عمل متعب .. شحم وزيوت وبذلة عمل ملطخة، واللهِهذا مقدَّس عند الله عزَّ وجل ، لأنك من الداخل نظيف ، وهذا كسب حلال ،لأنك تقدِّم خدمات مقابل أجر معتدل ونصيحة للمسلمين ، فهذا عمل شريف ، ولوكان المظهر الخارجي في أثناء العمل متعبًا أو غير مريح ، فهناك أشخاص لهمأناقة ظاهرة في عملهم ، ولكن عملهم مبني على الغش وعلى الاحتيال وعلىالمخاتلة ، مبني على كسب المال حرام ، مبني على إيقاع الأذى بالناس ، مبنيعلى سلب الناس أموالهم ، ولو كانت الغرفة التي فيها مكتب العمل فخمة ، لكنهذا العمل من الداخل قذر ، ومن الخارج أنيق ، وهناك أعمال من الداخل نظيفةجداً، ومن الخارج ليست على ما يرام ، فهناك كدح .. والحياة فيها كدح :

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه(سورة الانشقاق ، الآية "6")
أما كلمة " إنسان" فلا تعني أنَّه مؤمن ، أيّ إنسان ، فالذين تركوا ثرواتطائلة ألم يبذلوا جهداً طائلاً في الحياة .. هذا ترك كذا ألفًا ، وتركبنايتين ، بدأ من الصفر كعامل حتى حصَّل هذه الثروة ، ألم يبذل جهداًكبيراً جداً ؟ إذاً هو كادح .. لكنّه كدح له ثمار إيجابية ، وهناك كدح لهثمار سلبية ، وعلى كل حال ..

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه(سورة الانشقاق ، الآية "6")
والإنسانالذي صار صاحب ثروة طائلة يمكن أنّه لم ينم الليل ، أو ينام في المحل ، أوينام على ديوان خشبي ، ويأكل - ساندويش - حتى جمَّع هذه الثروة ، فإذا لميعرف الله عزَّ وجل فكل هذا الكدح لا قيمة له .. وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا(23)( الفرقان : آية " 23 ")
يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه(سورة الانشقاق ، الآية "6")
كلمة "ملاقيه " تعني معنيين .. المعنى الأول أن هذا العمل سوف تلقى جزاءه، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
عش ما شئت فإنَّك ميِّت ، وأحبب ما شئت فإنَّك مفارق ، وأعمل ما شئت فإنَّك مجزيٌ به *
(الحاكم في المستدرك عن سهل بن سعد)
افعل ما يحلو لك فكل شيء بسعره ، كل عمل سوف تلقى جزاءه .. وأعمل ما شئت فإنَّك مجزيٌ به ..

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه(سورة الانشقاق ، الآية "6")
إنَّك سوف تلقى جزاء هذا العمل .
المعنى الثاني .. هذه الهاء تعود على الله عزَّ وجل :

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه(سورة الانشقاق ، الآية "6")
ليجزيك على عملك ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، وعلى كلٍ فالمعنيان يلتقيان في مفهومٍ واحد ، قال تعالى : وَلَاتَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَفَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَالَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(104)( سورة النساء : آية104" )
كل الناس يتعبون ويعرقون وينصبون ويصابون بالّهموالحزن ، لكن شتَّان بين همِّ المؤمن وهمِّ غير المؤمن ، انظر صباحاً إلىالنّاس ، وقد انطلقوا من بيوتهم ، وَاللَّيْلِإِذَا يَغْشَى(1)وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى(2)وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَوَالْأُنْثَى(3)إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى(4)( سورة الليل : الآية "1-4 ") هذا ذاهب في سفر يعقد صفقة ، وهذا ذاهب إلى وظيفته ، وهذا يريدأن يشتري بيتًا ، وهذا سمع أن هناك محلاً للبيع رخيصَ الثمن ، فهو ذاهبليراه ، كلُّ واحد يمشي في خط .
وهنيئًا لمن انطلق من بيته يبحث عن عملٍ صالح ، أو يبحث عن رضاء الله عزَّ وجلَّ ..

تقرير حقيقة، أيْ أن الحياة متعبة ، حياة فيها جهد ، لكي تأكل صحنًا من السلاطة تشتغلفيه ربع ساعة ، اغسل البندورة ، وقسمها ونقِّ البقدونس ، وافرمه ، وضعالليمون ، وأخرج البذور من الليمون ، وضع الملح ، وإلخ ... تحتاج إلى ربعساعة من العمل ، فالحياة متعبة .
لكي تسكن في بيت مريح تشتغل أربعينعامًا في عمل مُضْنٍ ، ولكي تأخذ الشهادة ، ويقول الناس عنك : مثقف ،وتأخذ لك راتبًا لن يكفيك خمسة أيام ، تشتغل ليلاً ونهاراً ، وتظل عدةسنوات وأنت تدْرس في الجامعة ، وامتحانات ، وإرهاق أعصاب ، وتوتر ، وسؤاليأتي لم تتوقعه ، وأحياناً لم تنم الليل ، وأحياناً يصيبك ألم لا يحتمل ،لكي تأخذ الشهادة المتواضعة جداً ..

.. لكن ..

إذااستيقظ شخص قبل الفجر ، وصلّى قيام الليل ، ثم صلّى الصبح في جماعة ،واستمع إلى مجلس العلم ، وقرأ القرآن ، وغضَّ بصره ، وأحسن إلى أمهِوأبيهِ ، فإذا كان يسكنَّ في حيّ بعيد ، وأمه وأبوه يسكنان في المهاجرين ،وهو ساكن في المخيم ، ركب الحافلة الأولى ، ثم الثانية ليصل إليهما ،وزارهما وقالت له : اعمل كذا ، احضر لي الحاجة الفلانية ، هذا جهد شاقوليس سهلاً ، لكن ملاقيه ، اعتنيت بأولادك ، فأنت ملاقيه ، جلست مع زوجتكساعات تنصحها وتفهمها حتى صلَّت أو حتى اقتنعت بالصلاة ، أو حتى تحجَّبت.. فملاقيه ، لك صديق أكرمته وعاونته حتى أتيت به إلى المسجد وسمع الدروسواستجاب ، وكان كل حين يسألك سؤالاً وأجبته عن أسئلته حتى استقام تماماًفهو في صحيفتك .. فملاقيه .. فلو ساهمت في إنشاء مسجد حتى توسَّع فاستراحفالمصلّون فيه فهذا الجهد .. فملاقيه .. و يمكن أن الأمر لو كان لك شخصياًلما بذلتَ مثل هذا الجهد ، فأحيانا تكون هناك عقبات كبيرة جداً ، هي فوقطاقة الإنسان ، فتنصرف عنه ، أما إذا كانت لله فإنك تندفع لتحقيقها ، وهذاالجهد لك .. فأنت ملاقيه .
جلست ساعة وربع الساعة في مجلس علم ، وقدترى شخصاً جسمه متعباً أو متقدماً في السن ، ولا يستطيع أن يقعد ، وليس لهمحل يستند عليه ، لكنه قعد دون أن يستند .. فملاقيه ، هذا التعب ملاقيه ..كان بإمكانك أن تظل في بيتك قاعدًا على أريكة مريحة جداً ، وديوان عريض ،والوسائد على يمينك ويسارك ، مادًّا رجليك في راحة ..

يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه (سورة الانشقاق ، الآية "6")
فالدروس كلها في معرفة الله ، وفي فهم كتاب الله ، وفي الاستقامة ، وفيالكسب الحلال ، وفي العمل الصالح ، كلُّ هذه الجهود سوف تلاقيها ، وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(49) ( سورة النساء : آية " 49 " )
كُلْ تمرةً ، ودقق في النواة تجد هناك خيطاً بين الفِلقتين ، هذا الخيطالصغير اسمه الفتيل ، وضع النواة على رأس لسانك ، وقم بتحريكها تجد لهانتوءًا صغيراً مثل رأس الدبوس ، هذا هو النقير ..
وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا(49) ( سورة النساء : آية " 49 " ) فكل شيء محسوب .
لكن عندما تجد إنسانًا يمشي في طريق الإيمان وهو متعب ، يريد أن يرضي أمهوأباه ، وأن يؤمِّن لزوجته حاجاتها ، وأن يعتني بأولاده ويربيهم ، ويرغبفي أن يكون أولاده مؤمنين ، ويريد إتقان عمله حتى لا يشينه أمر وهو مسلم ،وأن يحضر في موعد الوظيفة تماماً ، وإذا كان مراجعًا من المراجعين يلبسزياً دينياً ، واضعاً لفة على رأسه فتأخر لخدمته ساعة بعد الدوام ، يعانيمشقة في دوامه ، وفي وظيفته ، وفي عمله ، وفي تجارته ، وفي بيته ، ومعأهله وأمه ، وله إخوة يسكنون في أماكن بعيدة ، فهذا الجهد الكبير كلهمحسوبٌ عند الله عزَّ وجل .
لكن الشقاء لا لهؤلاء ، ولكن لمن كان يسعىبجهدٍ كبير ، ويعرق ، وينصب ويكدح ، والنهاية إلى جهنَّم ، هذه هي المشكلة، فالمؤمن رابح مهما بذل من جهد ، ومهما انضبط ، ومهما شعر أن في الحياةجهادًا ، لكن المربح معه ، فالحياة مؤقَّتة ، والسعادة أبدية ، والجنةسرمدية ، لكن إنسانًا آخر يهلك طوال حياته ، كشخص ذهب إلى دولة أجنبية ،وعمل في المطاعم ليلاً ونهاراً ، وترك عياله وأولاده إلى أن أسس مشروعاً ،وجمَّع ثرةً ، وأرسل أول مبلغ ، وطلب من أهله شراء أرض ، وفي السنةالثانية بعث مبلغاً آخر لتعمير الأرض ، ثم بعد ذلك أمدّهم بمال لفرش البيتوتأثيثه بالأثاث الفخم ، وطلب إنشاء حديقة .. وما زال في أوامره : اعملواواتركوا .. وهو راجع بعد عشرين سنة من التعب ، وبعد أن أمَّن بيتاً فخماًوفرشه ، وفي أثناء تناوله الطعام في المطار ، وبعد أنْ أكل لقمتين منالطعام ، وفجأة سقط مفارقاً للحياة .. مسكين على هذه الحياة .. تعب مُضنٍ، والثمرة صفر .
فالكدح موجود عند المؤمنين وعند غير المؤمنين ، لكنشتَّان بين المؤمنين وبين غير المؤمنين ، فالمؤمنون كدحهم مأجور ، وسوفيرون نتائج كدحهم ، لكن غير المؤمنين كدحهم إلى دمار ، وإلى لا شيء ، قالالله تعالى :

يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه *فاما من اوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*(سورة الانشقاق : آية " 6 - 8 )أي أن ربنا عزَّ وجلَّ هكذا ترتيبه ، فإذا أخذ الإنسانُ كتابه بيمينه ، معنى ذلك أن أعماله صالحة وطيبة :

قال بعض المفسرين : إن ما في كتابه من أعمالٍ سيئة قبل الإسلام يعفو الله عنها ، وهذا معنى قوله تعالى :

أيالإسلام يَجُبُّ ما قبله ، الكتاب فيهِ كلِّ شيء ، لكن بعد أن أسلم ، وعرفالله عزَّ وجلَّ ، واستجاب له ، وتاب إليه توبةً نصوحًا ، فالذي وقع قبلهذا التاريخ يعفى عنه ... ولهذا فعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ نُوقِشَالْحِسَابَ عُذِّبَ قَالَتْ قُلْتُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَىفَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا قَالَ ذَلِكِ الْعَرْضُ *
(متفق عليه)

ولذلك قال الله عزَّ وجلَّ :

فاما من اوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*( سورة الانشقاق : آية " 7 - 8 )
أي فيما سبق التوبة ، ما سبق الإسلام ، هذا معفو عنه ، بعد التوبة والإسلام أعماله كلَّها جيدة واستقامة وعمل صالح وتوبة ..

وينقلب الى اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : آية " 9 " ) الآن إذا قرع الابن الباب ، وهو ناجح فقد يسيء بالبيت كثيرا من هجمته وفرحته ، فيريهم شهادته ، لا يترك إنسانًا إلا ويريها له ..

وينقلب الى اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : آية " 9 " )
وإذا نقل الزوج إلى وظيفة أعلى فيدخل البيت بطريقة تأخذ العقل ، بشاشةومرح ، وأين الأكل ، ويمزح مع زوجته ومع أولاده ، لأنه فرِح :

وينقلب الى اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : آية " 9 " )
إذا اشترى صفقة رابحة ، أو باع بيعةً فيها ربح كبير ، أو حقق نجاحًا خارجالبيت ، فدخوله البيتَ فيه سرور ، ويمكن لأهل البيت أنْ يروا أثر الفرحةعليه ، ويقولون : حتماً هناك شيء ، ليس هذا من عادته ، طليق ، عيناهزئبقيتان ، تلمعان ، ابتسامته عريضة ، مرح ،

وينقلب الى اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : آية " 9 " ) نسأل الله أنْ يجعلنا من هؤلاء ، وكما قال سيدنا عليّ : "الغنى والفقرّ بعد العرض على الله ".
فإذا تمَّ العرض على الله ، وأُوتي الإنسان كتابه بيمينه ، وحوسب حساباً يسيرا ، عندئذٍ :

*وينقلب الى اهله مسرورا* ( سورة الانشقاق : آية " 9 " )
الآن تعب ، وبعده سرور ، وطِّن نفسك أن الحياة الدنيا مدرسة ، فيها جدّودوام ، وانتباه ووظائف ، وامتحانات ومذاكرات ، ومذاكرات فُجائية ، وفيهامذاكرات شفهية ، ووظائف كتابية ، وعقوبات ، وإخراج ، وتعهدات .. لكن بعدالشهادة يضع يده على المريض ثم يقول : عليك خمسون ليرة ، وتخطط مائةوخمسون ، مائتان ، عنده خمسون زبونًا ، معنى ذلك في اليوم يحصل على آلفينليرة ، تساوي راتب الموظف في الشهر كلّه ، ويحصلها الطبيب في يوم واحد،لكنه عانى الكثير حتى أخذ الشهادة ، أخذ بكالوريوس ، وأخذ دكتوراه ، وأخذبورد ، وتعب، ورجع إلى بلده ، فالإنسان إذا تعب الآن فغدًا..

*فسوف يحاسب حسابا يسيرا* وينقلب الى اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : الآية " 8-9 " )
أيْمِن السعادة أن يطرق الإنسان باب أهله ويحمل لهم خبرًا سارًّا جدًّا ،فإذا اشترى لزوجته قطعة من الحليّ تكرمةً لها فدخوله البيتَ لا يكوندخولاً عاديا ..

*وينقلب الى اهله مسرورا* واما من اوتي كتابه وراء ظهره*( سورة الانشقاق : الآية " 9 ، 10 " )
قال المفسرون : من شدة الخجل لا يستطيع أن ينظر للذي يعطيه الكتاب ..
وقال بعضهم الآخر : من شدة ازدرائه واحتقاره ، فهذا الذي يعطيه الكتاب لايحب أن ينظر إلى وجهه ، هذا أو ذاك ، فإما خجلاً وإما ازدراءً .

واما من اوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعوا ثبورا*( سورة الانشقاق : الآية "10 -11 " )
أي يقول : وا ثبوراهُ ، أي لقد هلكت ، الأعمق من ذلك أن هذا الذي يؤتَى كتابه وراء ظهره يدعو على نفسه أن يهلك .. وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77)( سورة الزخرف : آية " 77 " )
قال الشاعر المتنبي :
كفى بك داءً أنْ ترى الموت شافيَا وحسبُ المنايا أنْ يكُنَّ أمانــيَا
أي أنت في حالةٍ تتمنى معها الموت ، فما هي هذه الحالة ؟ إنها أشدُّ من الموت .
كفى بك داءً أنْ ترى الموت شافيَا وحسبُ المنايا أنْ يكُنَّ أمانــيَا

فهيحالةٌ لا تحتمل ، شيءٌ لا يطاق أن تكون في حالةٍ تتمنى معها الموت، وأنيكون الموت أحبَّ إليك من الحياة ، كذلك هذا الذي يؤتَى كتابه بشماله يومالقيامة يدعو ثبوراً ، يدعو ربّه أن يهلكه ، أي أن يفنيه، أن يدمره .

*واما من اوتي كتابه وراء ظهره* فسوف يدعوا ثبورا* ويصلى سعيرا*( سورة الانشقاق : الآية " 10 - 12 " ) لذلك قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام :
إنَّالعار ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول : يا ربي لإرسالُك بي إلى النارأهون عليَّ مما ألقى، وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب *
(كنز العمال عن جابر)
فسوف يدعوا ثبورا* ويصلى سعيرا* انه كان في اهله مسرورا*( سورة الانشقاق : الآية " 11 - 13 " )
فالفرق فرق بسيط ..

أما هذا الثاني :

فمعظمالناس يقبعون في بيوتهم في انبساط وسرور ، وتجد الواحد منهم يتمطَّىويتمدد ، ومزحه ثقيلٌ أحياناً ، ولا شيء عنده حرامٌ ، وإذا جاءت امرأةأخيه جلس معها ، وإذا جاءت رفيقة زوجته يدعوها للجلوس معه ، مدَّعيًا :عندي المكان أدفأ لكم ..

مسرور مبسوط ، ليس لديه شيء حرام ، لاح لهمبلغٌ من المال حلال أو حرام يأكله ، يجوز أو لا يجوز يأكله ، دُعِي إلىحفلة لا يجوز الذهاب إليها فيقول : لا أتركها تذهب من يدي ..

أيليس عنده قيود ولا حدود ، وليس عنده شيء محرَّم ، ولا يخشى حساباً ولاعذاباً ولا شدّةً يوم قيامة ، ولا يخشى أن يغضب الله عزَّ وجل ، يقول لك :- ضعها في الخرج - من هنا إلى يوم الله يفرجها الله ، هل سنعيش عمرين ؟العمر الذي سنعيشه واحد .
فإن كنت كما قال أحد الشعراء الجاهليين :
فإن كنت لا تستطيع دفع منيّتي فدعني أُبادِرْها بما ملكت يدي
إنّ معظم الناس يقوم بإعداد الترتيبات للذهاب إلى النزهة في أثناء يومالجمعة ، فصلاة الجمعة لا ترد على باله من الأساس ، فالنزهة هي كل ما فيباله ، فلا شيء عنده محرَّم ، شهوته هي إلهه ، شهواته وسروره وبسطه ..
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ *
(رواه البخاري)

عبدٌ لفرجه ولبطنه وللباسه ولدرهمه وديناره

*واما من اوتي كتابه وراء ظهره*فسوف يدعوا ثبورا* ويصلى سعيرا* انه كان في اهله مسرورا*( الانشقاق : آية " 10 - 13 " )
كان مكيّفًا ، له مقعده الخاص ، وله قعدته الخاصة ، وله أكلته الخاصة ،والكل في خدمته، وهمّه الأوحد أنْ يُسَرَّ ويعطي نفسه ما تشتهي ، فإذاتكلَّم صهره بكلمة يقيم قيامته ، ويثور عليه .. هكذا تتكلم معي ؟! ولايقول هذا صهري ، حامي عرضي ، يجب أن أداريه ، فلا يهم ه، وإذا اشتكت ابنتهالمتزوجة يقول لها : تعالَيْ إلينا ، واقعدي عندنا ، واتركيه وحيداً ..رأسا يقوم بتحريضها ..

*انه كان في اهله مسرورا*انه ظن ان لن يحور*( الانشقاق : الآية " 13-14 " )
موضوع الموت لا يخطر بباله على الإطلاق ، ومعنى "لن يحورَ" أي لن يعود إلينا :

ظنَّأن هذه الدنيا فيها كل شيء ، يقول : الجنة هنا والنار هنا ، فما معنىالدنيا هنا ؟ أي أنّ مَن معه مال فهو في الجنة ، والفقير في جهنم .. هذهفلسفته ، أما الآخرة فهي خارج حسابه .
الآن يجب أن نكون واقعيين ، فمنيُدخلِ الآخرة في حسابه اليومي .. فيمكن أن يأتيه خاطر في الشهر مرة ، أوبالأسبوع مرة ، أما الذي كلما تكلَّم بكلمة ، أو باع بيعة ، أو كلما حلفيمينًا فالآخرة في باله باستمرار ؟ هذا هو المؤمن .. كلما تحرَّك حركة ،أو تنفس نفسا ، أو كلما نظر نظرة ، فهذه النظرة لا ترضي الله ، فيغض عنهابصره ، ولكن الذي ظن أن لن يحور يقول : لا أستطيع أن أصلي الظهر ،وبإمكاني أن أنظر أيّ نظرة ، وليس بإمكاني أن أقرأ القرآن في الصباحالباكر ، فهذا هو الخسران المبين .
وخلاصة القول : لا تعصِهِ في النهار .. يوقظْك في الليل ، أيْ يكون لك معينا دهرك كله .
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأنّ العلم نـــورٌ ونور الله لا يهدى لعاصـيٍ
فالمؤمن البطل هو الذي في كل حركه وكل سكنة وكل نظرة يفكر في الآخرة ،يفكر في وقوفه بين يدي الله عزَّ وجل ، فالموت لا يرحم أحدًا ، فأحد أعلامالأمة الكبار رأى ملك الموت ، فقال له : يا ملك الموت كم بقي من حياتي ؟فأشار له بيده خمس ، فلما استيقظ امتلأ قلقاً ، هل يا ترى خمس أشهر أم خمسسنوات ، خمسة أسابيع ، خمسة أيام ، خمس ساعات .. فالتقى بإمام المفسرينابن سيرين فقال له : ما تفسير هذه الرؤيا ؟ قال له : قال لك ملك الموت :إن سؤالك أحدُ خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله .
فأشخاص توفوا ، فياترى عندما توفى أحدهم ألم يكن خاطراً بباله أن غداً سيحضر إلى البيت حلوىقطائف عصافيري ؟ هذا ممكن ، أَوَ ما خطر بباله أنه في العطلة الصيفية أنهسيذهب هو وأولاده إلى المصيف في اللاذقية ، كل ذلك قد يكون لكنه مات..
فقد ذكرت لكم أني قد التقيت بشخص يعمل مديراً لثانوية ، وقال لي بفمه :والله مللت ، أريد أن آخذ استيداعًا لخمس سنوات ، أو إعارة إلى الجزائر ،وكنتُ أستمع له ، وكان يوم الخميس ، والساعة الحادية عشرة ، فقال : وسأبقىفي الجزائر خمس سنوات ، ولا آتي إلى الشام في الصيف ، وأقضي الصيف فيفرنسا ، وأتملى منها ، وفي العطلة الصيفية الثانية أذهب إلى إنجلترا ،والثالثة إلى إيطاليا ، ثم أرجع إلى الشام ، فأفتح محلاً وأتقاعد ، وأضعأولادي في المحل لإدارته ، وأعيش باقي حياتي في رفاهية .
واستمعت إليه، وجاملته فيما يقول ، وأن الله كريم ، وذهبت إلى البيت لتناول طعامالغداء ، ونزلت بعد ذلك إلى شغل لي في أسواق دمشق ، وبينما كنتُ راجعًاوجدت نعوته على الجدران.. والله الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه ، وتكلممعي في أشياء تحتاج إلى عشر سنوات لتحقيقها ، وفي اليوم نفسه كان غادرالحياة .
فلذلك ربنا عزَّ وجل قال :

فالموت لا يدخل فيحسابه على الإطلاق ، لا الموت ولا الآخرة .. فالواحد له بيت يسكنه ، فهلسأل نفسه يومًا في أي غرفة سيغسِّلونه ؟ فإذا فكّر في ذلك فلن ينزعج منها، لأنّها واقعة لا بد منها ، فهل يغسَّل في المطبخ ؟ فالمطبخ صغير ،والحمام صغير ، ففي أي غرفة ، فهو سيغسَّل في هذا البيت ، كيف ستطبع ورقةالنعي ؟ وهل سيكتب فيها والد الفقيد ؟ فهو لا يعرف من سيموت قبل الآخر ،هيّئْ لك مشروع نعي ولو ضقت منها ، وبادِرْ لعمل مشروع شاهدة : هذا قبرالمرحوم فلان الذي توفي في : وضع نقطتين وخطين وألف وتسعمائة .. فلا نعرفمتى ؟ مشروع شاهدة ، مشروع نعي ، هذه أشياء ذات فائدة عظيمة ، اذهب لزيارةمقبرة ، اتبع جنازة، انظر عندما يضعونه في القبر ، لقد وضعوا عليه التراببالمغرفة ، أما أنت فقليل من الغبار تثور من أجله على أهل البيت ، أو قليلمن الغبار على حلَّتك تثور ثورة كبرى ، أما الميت فيضعون التراب بالمغرفةفوقه ، وبعد أن يمهدوا التراب أخذوا بالأجر .. عظَّم الله أجركم ..

كل إنسان يفكر في الموت يومياً يكون ذكياً وعاقلاً :
عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أكيس ؟ قلت: الله ورسوله أعلم ، قال : إن أكيس الناس أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، وأحزمكم أشدكم استعداداً له*(كنز العمال)
إنالنور إذا دخل الصدر انفسح ، قيل : هل لذلك من علم يعرف به ؟ قال: نعمالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبلنزوله *
(كنز العمال عن ابن مسعود)
هذا هو العقل .. يقول :أنا ما زلت صغيراً ، فالموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، تجد نعيًا كُتِبَعليه : الشاب .. فإذا نظرت تجد ليس له زوجة فهو لم يتزوج بعد ، والدالفقيد ، وأخو الفقيد ، تتبَّع هذه صفحات النعي .. الشابة ، فتاة مخطوبة ،وعرسها بعد أسبوعين ، وزوجها مهندس كبير ، كان يراقب مشروعاً أخرج رأسه منالنافذة ، وكان أحد العمال يلقي بقالب من - البلوك - فوقعت فوق رأسه فمات، وكانوا قد أعدوا للعرس من الحلويات أكثر من خمسمائة كيلو غراماً ، وقدوضعت كلها للمعزِّين ، وتعزية النساء - صمدوا - أجلسوا العروس بلباسهاالكامل، فالعرس لم يتم :

فيجب أن تؤمن أن الموت قريب قريب .. وأذكركم بهذا الحديث الشريف :
مَنْ عَدَّ غَداً مِنْ أَجَلِهِ فَقَدْ أَسَاءَ صُحْبَةَ الْمَوْتِ *
(رواه البيهقي عن أنس)
غدًافقط .. إذا قلت : غدًا إن شاء الله سوف أشتري شمسية ، فالأمطار ستكونغزيرة هذه السنة، فإذا لم تقل : إن شاء الله ، وقلت : غدًا سآخذ شمسية منعند بائع أعرفه ، فأريدها أن تكون أجنبية وممتازة ، وبهذا تكلِّم نفسك ..فعندما تعدّ غداً من أجلك فقد أسأت صحبة الموت ، فأنت لا تعرف ما هو الموتإذاً .
لي صديق نام في الساعة الحادية عشرة ، ويظهر أن زوجته مسَّتيده في الساعة الواحدة فوجدتها شديدة البرودة ، فوجدته قد مات دون إذن أوإنذار ، نام نوماً طبيعياً في الساعة الحادية عشرة ، فأصبح جثة هامدة ،فاعتبروا رعاكم الله .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سورة الانشقاق للشيخ النابلسي الجزء 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سورة الانشقاق الجزء2
» تفسير سورة الممتحنة الجزء 2
» تفسير سورة قريش للشيخ ابن عثيمين
»  تفسير سورة الكوثر بالصوت للشيخ ابن باز
» تفسير سورة الجمعة للشيخ البدوي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
النور لخدمات الكمبيوتر والشبكات :: إســـــــــــــــــــــــــــــلامــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى :: قسم التفسير-
انتقل الى: