خلق الرحمة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
والرحمة : الرقة والتعطف ، والمرحمة مثله .
وقد رحمته ، وترحمت عليه ، وتراحم القوم : رحم بعضهم بعضا .
والرحمة : المغفرة
والرحمة في بني آدم عند العرب : رقة القلب وعطفه
ورحمة الله : عطفه وإحسانه ورزقه( )
فهي من الرقة والعطف والغفران والإحسان والرأفة
وضدها : قسوة القلب والجفاء والانتقام
وهي في الجملة : إرادة إيصال الخير للناس
وقدكان صلى الله عليه وسلم أرحم البشر بالبشر وغير البشر ، وقد وصفه ربهسبحانه بذلك فقال : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107) ولم يختلف عليه أحد في ذلك ، وإليك بعض من أقوالالمستشرقين في ذلك :
1 ـ يقول المستشرق الأسباني جان ليك ( 1822-1897)في كتابه :" العرب " مؤكداً هذه الحقيقة : ( وحياة محمد التاريخية لا يمكنأن توصف بأحسن مما وصفها الله نفسه بألفاظ قليلة ، بين بها سبب بعث النبي(محمد) (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( .
وقد برهن بنفسه على أن لديهأعظم الرحمات لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى المساعدة ، كان محمد رحمة حقيقةلليتامى والفقراء وابن السبيل والمنكوبين والضعفاء والعمال وأصحاب الكدوالعناء ، وإني بلهفة وشوق لأن أصلى عليه وعلى أتباعه )) ( ) .
2 ـيقول المستشرق البريطاني لين بول ( 1652 _1719 ) في مؤلفه :"رسالة فيتاريخ العرب " متحدثاً عن سجايا الخلق المحمدي : ( إن محمداً كان يتصفبكثير من الصفات كاللطف والشجاعة ، وكرم الأخلاق ، حتى إن الإنسان لايستطيع أن يحكم عليه دون أن يتأثر بما تطبعه هذه الصفات في نفسه ، ودون أنيكون هذا الحكم صادراً عن غير ميل أو هوى ، كيف لا وقد احتمل محمد عداءأهله وعشرته سنوات بصبر وجلد عظيمين ، ومع ذلك فقد بلغ من نبله أنه لم يكنيسحب يده من يد مصافحه حتى لو كان يصافح طفلاً ، وأنه لم يمر بجماعة يوماًمن الأيام رجالاً كانوا أم أطفالا دون أن يسلم عليهم ، وعلى شفتيه ابتسامةحلوة ، وبنغمة جميلة كانت تكفي وحدها لتسحر سامعيها ، وتجذب القلوب إلىصاحبها جذباً ، وقد كان محمد غيوراً ومتحمساً ، وما كانت حماسته إلا لغرضنبيل ، ومعنى سام ، فهو لم يتحمس إلا عندما كان ذلك واجباً مفروضاً لا مفرمنه ، فقد كان رسول من الله ، وكان يريد أن يؤدي رسالته على أكمل وجه ،كما أنه لم ينس يوماً من الأيام كيانه أو الغرض الذي بعث من أجله ، دائماًكان يعمل له ويتحمل في سبيله جميع أنواع البلايا ، حتى انتهى إلى إتمام مايريد )( ) .
• من رحمته صلى الله عليه وسلم بأعدائه :
1 ـ رحمته صلى الله عليه وسلم بأهل مكة حين أصابهم القحط بسبب دعوته عليهم
قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ)
لمادعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش أن يجعل عليهم سنين كسني يوسففأصابهم القحط ، فجاء أبو سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنشدكالله والرحم ، ألستَ تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين ؟ فقال : بلى ، فقال :قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع (فأين الرحمة) فادع الله أن يكشفعنا هذا القحط ، فدعا فكشف عنهم ، فأنزل الله هذه الآية ."( )
وروىالبخاري (4821) عَبْدُ اللَّهِ ـ ابن مسعود ـ قَالَ : إِنَّمَا كَانَهَذَا لأَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا اسْتَعْصَوْا عَلَى النَّبِيِّ صلى اللهعليه وسلم دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَأَصَابَهُمْقَحْطٌ وَجَهْدٌ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُإِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِمِنْ الْجَهْدِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَتَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌأَلِيمٌ )
قَالَ : فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمفَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَفَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ
قَالَ : لِمُضَرَ إِنَّكَ لَجَرِيءٌ ،فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا ، فَنَزَلَتْ : (إِنَّكُمْ عَائِدُونَ ) ،فَلَمَّا أَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ حِينَأَصَابَتْهُمْ الرَّفَاهِيَةُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) قَالَ :يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ
2 ـ ومن رحمته صلى الله عليه وسلم في الحرب
مارواه البخاري ( 3015) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَان